مخاطر كامنة

مخاطر كامنة

صداقة من بعد قصف!

شهدت علاقة أبو ظبي بطرابلس تغيرا جذريا عقب فشل الهجوم الذي قاده حليفها “خليفة حفتر” على العاصمة في 4\4\2019، حيث تحولت أبو ظبي من دعم الحرب على طرابلس عبر الإمدادات اللوجستية والدعم العسكري إلى نهج دبلوماسي يسعى لترميم علاقة مزقتها قذائف الطائرات الإماراتية على مدار 9 سنوات.

مع تغير الظرف السياسي الدولي وفشل المسار العسكري في ليبيا وتنامي الدور الروسي في المشهد الليبي الأمني وجدت أبو ظبي نفسها في مواجهة تحديات أكبر على صعيد التأثير والنفوذ على الساحة الليبية، وهو ما دفعها ضمن أسباب أخرى إلى البحث عن نهج جديد أكثر براغماتية يتيح لها استعادة تأثيرها ويتماشى مع التحولات لتي طرأت على السياسية الإماراتية الخارجية ككل.

التحول الذي طرأ على سلوك أبو ظبي السياسي تزامن مع صعود سلطة جديدة في طرابلس تقف على مسافة واحدة من الجميع وتبحث عن بناء علاقات إيجابية مع كل الأطراف الدولية المنخرطة في المشهد، وهو ما عزز فرص نجاح سياسة أبو ظبي المستحدثة.

خطوات صغيرة نحو أهداف كبيرة:

التحول الجذري في المقاربة السياسية والأمنية تجاه طرابلس لم يكلف أبو ظبي الكثير، فالتحالف مع خليفة حفتر لازال هو الركيزة الأهم الذي تقوم عليها المقاربة الإماراتية الجديدة، حيث عملت أبو ظبي منذ بداية عام 2021 على بناء مسار محادثات بين كل من عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر.

المسار الذي أنشأته أبو ظبي أثبت فاعليته في توجيه دفة المشهد السياسي والأحداث على الأرض، حيث تمخضت محادثات دبي وأبو ظبي بين ممثلي الطرفين عن تسوية سياسية أدت لإعادة فتح المنشآت النفطية بعد الاتفاق على تغيير رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، وهو ما عزز دور أبو ظبي في المشهد السياسي.

المحادثات التي بدأت على هامش المشهد السياسي قبل عامين صارت اليوم أحد المحركات الأساسية ليس للمشهد السياسي فقط وإنما الأمني أيضا حيث ارتبط استمرار المحادثات باستتباب الأوضاع الأمنية في العاصمة وعلى خطوط التماس بين الطرفين، وهي شاهد على نجاح أبو ظبي على حساب أطراف دولية أخرى حاولت محاكاة أسلوبها عبر رعاية مسارات تفاوضية موازية.

نجاح أبو ظبي في إمساك أحد خيوط المشهد السياسي وربما أهمها، لا ينعكس إيجابا على تأثيرها السياسي فقط وإنما على حضورها الأمني في العاصمة أيضا، فتوسطها للتفاهمات السياسية وما يترتب على ذلك من بناء علاقات ثنائية بالأطراف الفاعلة ميدانيا وسياسيا يعزز قدرتها على جمع المعلومات وبناء قنوات اتصال خلفية.

النتائج الإيجابية التي أدت لها وساطة أبو ظبي مثل استئناف انتاج النفط، بالإضافة لإفشال محاولات باشاغا والميليشيات الداعمة له عبر الوصول لتسوية مع حفتر، ربما تدفع الدبيبة للاتكال عليها مستقبلا لإنقاذه من الضغوطات الداخلية التي يتعرض لها، وهو ما يؤكده ما نشرته صحيفة الأفريكا انتلجنس الاستخبارية حول نقل رئيس جهاز المخابرات العامة حسن العايب طلب من الدبيبة لأبو ظبي بتمويل ودعم حملة أمنية لطرد وتفكيك الميليشيات المعادية للحكومة.

بدأت أبو ظبي بخطوات صغيرة غير مكلفة على الإطلاق، وها هي اليوم تعود للمشهد السياسي بفاعلية أكبر من باب مشابه لذلك الذي ولجت منه للمشهد في 2015 “الحوار السياسي” غير أنها في هذه المرة لم تتكلف 35 ألف باوند شهريا.

اشترك في القائمة البريدية