ليبيا محطة الـCIA الأولى في 2023

ليبيا محطة الـCIA الأولى في 2023

جاءت زيارة رئيس وكالة المخابرات الأمريكية المركزية CIA “ويليام بيرنز” إلى ليبيا كمفاجئة، حيث لم يزر ليبيا مسؤول أمريكي رفيع منذ زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في أكتوبر 2011 وهو ما يشير إلى تحول كبير في المقاربة الأمريكية للملف الليبي، بالإضافة للمفاجئة فإن خروج بيرنز في زيارة فردية يعد حدثا نادرا حسب ما وصفته رويترز.
الزيارة النادرة تأتي في توقيت تشهد فيه الدبلوماسية الأمريكية في ليبيا نشاطا غير مسبوق، فبالإضافة لتسليم حكومة الوحدة الوطنية لضابط المخابرات الليبي الأسبق “أبو عجيلة مسعود المريمي” بعد أشهر من الترتيب والتواصل مع الـCIA، رفعت واشنطن نطاق انخراطها في المشهد السياسي الليبي على عدة مستويات حيث تسعى للدفع بالدبلوماسي الأمريكي “كينيث غلوك” ليكون الرجل الثاني في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ليحل محل “رايسيدون زينينغا”، كما دعا المبعوث الأمريكي الخاص “ريتشارد نورلاند” نظرائه الفرنسي والإيطالي والألماني إلى الاجتماع بواشنطن بحضور المبعوث الأممي “باتيلي” ودبلوماسيين مصريين وإماراتيين لمناقشة المسار السياسي في ليبيا في 13 يناير الماضي، وبالتوازي مع المسار السياسي تعمل واشنطن على تعزيز التعاون في مجال الطاقة حيث التقى “محمد عون” وزير النفط والغاز بحكومة الوحدة الوطنية، مع كل من “جفيري بيات” مساعد وزير الخارجية الأميركي، ومسؤولي شركة «كونكوفيلبس» الأميركية للنفط لبحث إمكانية الاستثمار في القطاع وتعزيز الإنتاج المحلي.
ترتيبات الزيارة وجدولها الزمني يثير كثير من التساؤلات حول خلفياتها ودوافع واشنطن الكامنة وراء اختيار بيرنز لحمل رسالتها، وهو ما يقودنا للحديث عن شخص بيرنز ومدى ارتباط تجربته السياسية وعلاقاته الدولية بالزيارة؟

بيرنز، دبلوماسي الـCIA المحنك:

يملك رئيس مؤسسة كارنجي للسلام الدولي 33 عامًا من الخدمة الدبلوماسية في سجله، شغل فيها عدد من المواقع المهمة أبرزها: سفير الولايات المتحدة لدى الاتحاد الروسي من 2005 إلى 2008 ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى من 2001 إلى 2005، ووكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية من 2008 إلى 2011 ليشغل بعدها منصب نائب وزير الخارجية الأمريكي حتى عام 2014.
ويتحدث بيرنز العربية والروسية بشكل جيد وقد مكنته تجربته السياسية من بناء علاقات واسعة في العالم العربي وروسيا، وقد شغر بيرنز منصب سفير الولايات المتحدة للمملكة الأردنية ما بين عام 1998 وحتى 2001، قبل أن يلعب دورا محوريا في المفاوضات الأمريكية مع القذافي للوصول لتسوية في قضية لوكربي خلال عمله كمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ثم لعب لاحقا دورا في المفاوضات لتفكيك البرنامج النووي الليبي.
تنقل انتلجنس اونلاين عن مصادرها أسباب اختيار الإدارة الأمريكية لبيرنز لتولي إدارة الجهاز، حيث كشفت أن تعيينه مرتبط بمهارات الدبلوماسي المخضرم وعلاقاته ليس خارج الحدود فقط وإنما داخلها أيضا، فبعد الاستقطاب الحاد الذي أحدثه الرئيس الأمريكي السابق بين المؤسسات الحكومية، يسعى بيرنز عبر علاقاته الجيدة بالبيت الأبيض ومجتمع الاستخبارات لرأب الصدع ورفع كفاء تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الوكالات الأمنية وتوحيد الجهود من خلال التعاون بشكل أوثق مع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الوطنية (NGA) ووكالة استخبارات الدفاع (DIA).

على مستوى السياسة الخارجية فإن علاقة بيرنز بموسكو ومعرفته بأساليبها جيدا تمكنه من لعب دور أفضل في مواجهة الدب الروسي، وهو ما يسعى بيرنز لتحقيقه حيث تؤكد انتلجنس اونلاين أن وكالة المخابرات المركزية “أحدثت تغييرا في أولوياتها من الصين إلى روسيا دون أن تُغفل الشرق الأوسط، ويرجع ذلك كله إلى دبلوماسيها ويليام بيرنز”.

ليبيا بعيون بيرنز:

شغرت ليبيا حيزا من مسيرة بيرنز السياسية، فبالإضافة للدور الذي لعبه في مفاوضات اللوكربي ثم تفكيك البرنامج النووي للقذافي لعب بيرنز لاحقا دورا في قيادة برنامج تدريب لقوات أمن ليبية في مكافحة الإرهاب، كما لعب بيرنز دورا محدودا بعد الثورة الليبية –التي وصفها بلحظة الإمكانيات المفتوحة- عبر التواصل مع بعض الشخصيات السياسية، أبرزهم قائد حزب تحالف القوى الوطنية “محمود جبريل”.
علاقة بيرنز بليبيا تتجاوز الحياة السياسية إلى الشخصية، حيث فقد بيرنز صديقه المقرب “ماثيو جانون” في تفجير طائرة بان ام 103 في حادثة اللوكربي، ويصرح بيرنز في مذكراته The Back Channel “خلال الأربع سنوات التي أمضيتها مع القذافي وضباطه لم أنس لدقيقة واحده الدم الذي سفكوه”. لم يخف بيرنز في كتاباته بغضه للقذافي ونظامه، كما لم يخف لاحقا دعمه للثورة الليبية والثورات العربية بصفة أعم، وهو من التيار الداعم للتغيير في المنطقة العربية والسياسة الأمريكية تجاهها.

خلفيات الزيارة:

تحول أولوية جهاز المخابرات المركزية الأمريكي من الصين إلى روسيا الذي قاده بيرنز عقب تعيينه يشير إلى أن أجندة الزيارة المفاجئة الأبرز هي الحضور الروسي غي الرسمي في ليبيا، وهو ما يتسق مع التحركات الأمريكية الأخيرة حيث كثفت واشنطن مؤخرا من نشاطها الاستخباري في ملاحقة مجموعة الفاغنر والتضييق عليها في شرق أوروبا وأفريقيا.
التحركات الأمريكية الأخيرة في الملف الليبي تأتي بعد تفاقم أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية وما تبعها من أزمة في إمدادات الطاقة، ما يرجح حضور ملف الطاقة والصادرات النفطية على رأس الأجندة الأمريكية، وهو ما يؤكده سعي عمالقة الطاقة في أوروبا (إيني الإيطالية، توتال الفرنسية) إلى زيادة حصصهم في السوق الليبي والاهتمام الأمريكي بملف النفط وعائداته في ليبيا بعد غياب دام 11 سنة.
بالنظر في تجربة بيرنز التاريخية وعلاقته بكل من موسكو وطرابلس فيمكن القول إنه الرجل المناسب في المكان والوقت المناسبين، وربما تجيب علاقة بيرنز بنظام القذافي ودوره في مفاوضات اللوكربي وعلاقته الشخصية بها عن تساؤل راود الكثير حول الأسباب الكامنة وراء إعادة فتح ملف اللوكربي في هذا التوقيت ومطالبة واشنطن بتسليم “أبو عجيلة مسعود”.

اشترك في القائمة البريدية