محاصصة في دثار حوار تسوية

محاصصة في دثار حوار تسوية

مع تصاعد حدة الانقسام الذي تشهده السياسة الليبية هذه الأيام، باتت لغة التسويات هي الطاغية على المشهد السياسي الليبي، وعلى الرغم من هيمنة مقاربة التسوية على المشهد كنتيجة لتسويات خارجية، فإنها لم تتطرق للملفات الرئيسية التي ينبغي للتسوية طرقها، بل إن التسوية المطروحة اليوم يصعب على المراقب أن يستشعر الفرق بينها وبين تقاسم السلطة الذي بات المشهد الليبي مثقلا بها. 

التسوية في الثقافة السياسية الليبية 

تعد التسوية في الثقافة السياسية الليبية مفهوما محدثا، أدخلته الأجندة الدولية والأممية على يد المبعوث الأممي الأسبق برناردينو ليون، ويمكن اعتبار اتفاق الصخيرات أبرز تجليات هذه المقاربة.

بالنظر إلى ما جرى في الصخيرات وبعد ذلك في جنيف فإن النخبة السياسية الليبية دأبت على تجاوز النقاط الخلافية والإشكالات الرئيسية وعدم طرحها في محافل التسوية والحوارات، والتركيز على بناء حالة من التراضي السياسي القائم على تقاسم المناصب والمراكز السياسية واستحداث المواقع الإدارية الجديدة على مقاس الأطراف السياسية المشاركة في عملية التسوية. 

تتيح مقاربة التسوية للأطراف الفاعلة استغلال تفاهمات المحاصصة لشرعنة التقدم في المواقع الرسمية والمراكز السياسية، ففي ظروف التسوية يمكنك الانتقال بشكل سريع من قاطع طريق أو آمر مجموعة مسلحة غير شرعية أو مجرم حرب إلى نائب رئيس أو وزير أو سفير للبلاد، يمكن النظر إلى التسوية في البلاد كفرصة من فرص النجاة أو كمنحة من الأمم المتحدة لإعادة التهيئة السياسية وتحسين الصورة الذهنية أمام الرأي العام والمواطنين. 

انعكاسات خارجية 

تعد التسوية الحالية والتي تجري على نار هادئة في عدد من المسارات المتوازية، انعكاسا لتقاربات إقليمية تجري بين دول مؤثرة في المشهد السياسي الليبي، وتبدو أجندة التقارب التركي المصري الأكثر تأثيرا على مجريات التسويات الحاصلة، ومع تجديد ولاية الرئيس أردوغان يبدو الأتراك أكثر جدية في المضي قدما نحو تسوية شاملة مع مصر يكون الملف الليبي عنصرا أساسيا فيها.

التقدم في العلاقة بين البلدين تبدو انعكاساته أكثر وضوحا على لقاءات اللجنة العسكرية 5+5 ومستشاريها التي جرت في كل من طرابلس وبنغازي، على الجهة الأخرى تلعب الدبلوماسية الأمريكية المعنية بتحجيم الدور الروسي في البلاد والضغط المباشر الممارس من قبل المبعوث الأمريكي الخاص ريتشارد نورلاند والذي أشرف على عدة لقاءات جمعت الأطراف الأمنية والعسكرية، دورا أساسيا في تشكيل مسارات التسوية الداخلية.

تحت الطاولة 

تسير المحادثات الحالية بين الأطراف الفاعلة في ثلاثة مسارات متوازية:

  • مفاوضات صدام حفتر مع قادة المجاميع المسلحة طرابلس (مفاوضات ترعاها القاهرة)
  • تواصل مندوبين عن الدبيبة مع بالقاسم حفتر (مفاوضات تجري في المغرب) 
  • التقارب بين خالد المشري وعقيلة صالح (والذي يجري تحت غطاء لجنة 6+6 في المغرب) 

يسارع كل طرف داخل هذه المسارات السياسية الثلاثة للتوصل لاتفاق يعيد تشكيل المشهد السياسي بما يسمح له بالسطو على السلطة، لكن كل هذه التسويات تواجه عقبة كبرى وهي انعدام الثقة بين الأطراف وغياب القدرة على إيجاد ضمانات حقيقية.

ففي المسار الأول تحاول المجاميع المسلحة تجاوز رئيس حكومة الوحدة وفرض ترتيبات مباشرة عليه في حال اتفاقها مع نجل حفتر، لكن الاتفاق بينهم يبدو متعذرا في ظل مطالب معسكر الكرامة التعسفية.

في المقابل يبدو مسار مفاوضات المغرب بين ممثلي الدبيبة وحفتر الأقرب للنفاذ خصوصا مع ظهور مؤشرات على التوافق على رأسها عزل فتحي باشاغا، الذي يعد خطوة مهمة لبناء الثقة بين الطرفين، كما تشير التسريبات إلى تفاهم الطرفين على إعادة تشكيل الحكومة عبر تعديل وزاري يمنح حفتر حقائب وزارية رئيسية وسيادية.

على الجهة الأخرى يبدو مسار عقيلة والمشري فاقدا للفاعلية، ومع ذلك فإن خطورته تكمن في قدرته على تعطيل المسارات الأخرى في حال أنتج قوانين انتخابية تقصي المنافسين الرئيسيين للطرفين (الدبيبة-حفتر) وهو ما سيضاعف الضغوطات على الحكومة التي جعلت من شعار “الانتخابات أولا” مصدرا من مصادر استمرارها. 

خلاصة 

تقاطع المصالح بين الأطراف المشاركة في مسارات التسوية المختلفة يشكل دافعا مهما لها للتوصل لاتفاق يضمن استمرار وجودها في المشهد، لكن التهديدات المحيطة بمسارات التسوية تعد الدافع الأهم في توجيه مواقف وسلوكيات الأطراف المتفاوضة.

 رغم العقبات الكبرى التي تواجه مسارات التسوية بين هذه الأطراف، فإن الاتفاق يبدو أقرب في ظل التخوف من فقدان زمام المبادرة، وهو ما سيدفع الأطراف الأكثر قدرة ونفوذا للتوصل لاتفاق تقاسم سلطة يعيد ترتيب المشهد ليحول دون إقامة الانتخابات.

ومن جانب آخر فإن التحفز الأساسي بين الأطراف السياسية والفاعلة المحلية للتسوية وتقاسم السلطة جاء بناء على التقاط إشارات تقاربات وتسويات خارجية تنعكس بشكل مؤثر على المشهد السياسي الليبي وهو ما يدفع أطراف كل مسار من المسارات الثلاثة لإثبات أهليتهم لتمثيله، لكن الخلافات والحذر بين كل طرف قد يجعل من الجمود بوابة نحو الانتخابات بضغط غربي عموما وأمريكي بشكل خاص.

اشترك في القائمة البريدية