التطبيع كفضيحة سياسية

التطبيع كفضيحة سياسية

انشغلت وسائل الإعلام الليبية والعالمية في الأيام القليلة الماضية بلقاء وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش نظيرها في دولة الكيان إيلي كوهين، وقد كانت المفاجأة بإعلان الأخير أن لقاءً تاريخيا قد جمعه بنظيرته في ليبيا وأن جدول أعمالهارتكز على التراث اليهودي في ليبيا وترميم مقابر الليبيين اليهود وغيرها من النقاط ذات البعد الثقافي في الوقت الذي خلا فيه بيان كوهين من أي دلالات سياسية عدا اللقاء في ذاته باعتباره حدثا سياسيا كبيرا. 

خلفيات اللقاء وتصورات سياسية بالية 

تؤكد مصادر عدة أن لقاء المنقوش وكوهين لم يكن الأول بين ممثلين عن حكومتيالوحدة الوطنية والكيان، ولكن هذه المرة هي الأعلى من حيث التمثيل الدبلوماسي والمستوى السياسي، وقد عقدت لقاءات تمهيدية لهذا اللقاء في الأشهر المنصرمة، ناهيك عن لقاء بين مستويات سياسية أقل انعقد نهاية العام الماضي بحسب تسريبات صحفية. 

وفي ظل التساؤل حول الجدوى من هذا اللقاء على الصعيد السياسي بالنسبة لحكومة الوحدة فإن الإجابة لا يمكن أن تتم دون عرض التصورات السياسية البالية التي تعانيها النخبة السياسية الليبية والتي تمثل حكومة الوحدة إحدى حالاتها؛ فالدافع الأبرز لمثل هذا اللقاء سببه الأساسي الإيمان بالخرافات السياسية القائلةبالتأثير السياسي لدولة الكيان في السياسة الأمريكية عبر مجموعات الضغط والنفوذ اليهودي في الحياة السياسية الأمريكية وبأن العلاقة مع دولة الكيان قد تضمن علاقات أفضل مع الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي تبدو حكومة الوحدة في ظرف سياسي متعلق بوجودها من الأساس. 

لم يأخذ هذا التصور السياسي القديم الذي أكل عليه الدهر وشرب بالحسبان الظروف السياسية التي تمر بدولة الكيان والعلاقات السياسية السيئة ظرفيا بينها وبين الولايات المتحدة نتيجة لقدوم نتنياهو للسلطة من جديد وهو الشخصية السياسية التي لا يفضلها الديمقراطيون حكام أمريكا الحاليون.

إضافة إلى ذلك فإن ليبيا كدولة تعاني الوجود الروسي هي دولة تخضع لسياسات أمريكية عليا تقدم فيه مسألة الوجود الروسي على غيرها من المسائل ولعل الموقف الأمريكي السلبي تجاه حكومة الوحدة الذي عبرت عنه المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن بضرورة إيجاد حكومة جديدة؛ نابع من عدم تعاون الحكومة مع الطلب الأمريكي المباشر بقتال الروس في الجنوب وإخراج الكتائب العسكرية والمقاتلين من المدن نحو الجنوب لقتال المرتزقة الروس وهو الطلب الذي لم تستطع الحكومة تلبيته لضعف تأثيرها على المجاميع المسلحة الفاعلة.

مجلس الوزراء الحكومة.. والوزيرة 

لا شك في أن حراك الشارع ليلة شيوع خبر التطبيع كان مفتعلا ومسيسا في عمومه ومستغلا للفرصة السياسية للنيل من حكومة الوحدة، خصوصا وأن رقعة الحراك كانأغلبها في المناطق والمدن المنزعجة من أداء الحكومة ومسارها، إلا أن استجابة الحكومة للحدث ببث أخبار عن إقالة الوزيرة عبر منصات غير رسمية والإعلان عن الإدانة الفورية لم يكن إلا محاولة لاستيعاب الحدث قبيل التعامل مع المتظاهرين في الشارع تعاملا أمنيا واعتبار الحدث حدثا أمنيا بامتياز. 

ومع بث اجتماع مجلس الوزراء خرجت للعلن تصورات مختلفة لعلها أوضحت كثيرامن الحقائق الغائبة والتي ظهرت بين السطور وعلى رأسها تورط الحكومة وأن اللقاء مع وزير دولة الكيان تم بقرار سياسي داخل الحكومة كما أكدت الصحف الغربية، فلغة المهادنة التي تحدث بها الوزراء عن المنقوش كانت واضحة ومخالفة للسياق العام خصوصا أن المقام كان ينبغي أن يكون مقام إبراء للساحة عوضا عن التزكية وكيل المدح وإعطاء صكوك الوطنية لوزيرة تورطت في فضيحة سياسية بهذا المستوى. 

حديث مجلس الوزراء عن التحقيق في الحادثة خالٍ من المعنى في ظل هذا الحدث الذي يعبر عن فضيحة سياسية هي الأكبر في التاريخ السياسي الليبي الحديث، فهي وإن ارتكبت جرما فهو لا يعد جنائيا، بل هي جريمة سياسية بامتياز تمس سمعة الحكومة وكل وزرائها، بل وكل من ارتبط ارتباطا سياسيا بها وهو مقام الحرص فيه لابد أن يكون في مستوى أعلى من الطبيعي إلا أن اللغة التي تم الحديث بها تؤكد أن للوزيرة من المعلومات ما يمكن أن يعصف بالحكومة في هذه المسألة خصوصا وأن مجلس الوزراء عدل عن إقالتها. 

تمثل نجلاء المنقوش كوزيرة حالة السطوة الغربية بامتياز إذ أن قدومها للمنصب تم بالأساس بقرار ودفع أمريكي، في سياق دعم وتمكين المرأة وقد دعمتها ستيفاني ويليامز لتولي هذا المنصب بشكل مباشر. وكسيرة ذاتية للمنقوش فهي تمثل حالة الاختراق الثقافي الغربي للمجتمع الليبي إذ أن نشاطها في مؤسسات المجتمع المدني بعد الثورة أدى إلى تحصلها على منحة للدراسة في الولايات المتحدة لتشهد حياتها تحولا كاملا ابتداء بتبنيها للخطاب النسوي وخلعها للحجاب حتى وصولها للوزارة والتي كانت في علاقة شد وجذب مع رئيس الحكومة بداية الأمر خصوصا مع تصريحاتها السلبية تجاه الوجود التركي في البلاد والتي تسببت بإحراج رئيس الحكومة أمام حلفائه الأتراك، إلا أن استيعابها قد تم بالفعل لتصبح من أطوع الوزراء لرئيس الحكومة ومع ذلك فإن وجودها كوزيرة مرتبط بدعم أمريكي مباشر ومن غير المرجح أن يتم إقالتها من منصبها بناء على هذا التأثير الأمريكي في معادلة الحكم في ليبيا.

الحكومة في ورطة؟ 

في الإجابة عن السؤال هل الحكومة في ورطة ينبغي أن لا نتسرع في الإجابة بالإيجاب خصوصا وأن الطبقة السياسية والأطراف المتصدرة هي أطراف مطبعة مع دولة الكيان دون أن تتعرض لمشكلة كبيرة، كحفتر الذي التقى بممثلين عن الموساد عام 2015 وابنه صدام الذي زار تل أبيب حسب صحيفة جيروساليم بوست ووزير خارجية حكومة الثني الهادي الحويج الذي كتب مقالا في صحيفة هآرتس بالإضافة إلى وزير ثقافة حكومة الثني عمر القويري الذي كانت له اتصالات بمسؤولين من دولة الكيان، كما أن النائب العام قد ادعى على مقاومين فلسطينيين بادعاءات كالإرهاب واخلال الأمن وطالب بأقسى الأحكام في حقهم وهو ما حكمت به المحكمة بالفعل وكأنها تحكم نيابة عن دولة الاحتلال على المقاومين. 

كما ينبغي الإشارة إلى وجود مطبعين على الصعيد الثقافي والسياسي يظهرون في كل حرب تخوضها المقاومة مع جيش الكيان معبرين عن تعاطفهم مع الجانب الصهيوني على حساب المقاومة والتي يتبنون الموقف الحاد تجاهها على أسس أيدلوجية. 

فكما أشرنا سابقا ينبغي أن لا نتسرع وتأخذنا الاحتجاجات التي يغلب عليها التسييس إلى نتيجة مفادها أن قضية التطبيع هي قضية مرفوضة بشكل مركزي في البلاد وأن الحالة الشعبية قد يتنامى الغضب إليها نتيجة له وهو ما قد يكون مجازفة ومبالغة في التفاؤل والاعتبار بالوعي العام المتردي.

اشترك في القائمة البريدية