<strong>دعوة الرئاسي واستحالة التوافق</strong>

دعوة الرئاسي واستحالة التوافق

جدد المجلس الرئاسي الليبي دعوة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى تحقيق التوافق لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، عبر بيان له دعا فيه المجلسين إلى تحمل مسؤولياتهما عن توحيد الجهود وتذليل الصعاب أمام التوافق الوطني لإجراء الانتخابات في أقرب الآجال. وأعلن المجلس الرئاسي أنه أُبلِغ بتعذر مشاركة المجلس الأعلى للدولة في اللقاء الذي دُعي إليه إلى جانب مجلس النواب في مدينة غَدامس، دون توضيح أسباب ذلك رغم الترحيب بالدعوة، حسب تعبير البيان.

ويأتي رفض المجلس الأعلى للدولة للدعوة، وفق ما يتداول داخل أروقته، لعدم الاختصاص القانوني للمجلس الرئاسي من جانب، ومن جانب آخر فالمجلس الأعلى للدولة يتعامل مع دعوات الرئاسي بحذر بل ويعتبره مواليا لحكومة الوحدة الوطنية التي دخلت في حالة عداء مع الأعلى للدولة خلال الأسهر القليلة الماضية.

أما مجلس النواب فلم يعلق بشكل رسمي على الدعوة، وفيما يبدو محاولة لسد الطريق أمام أي مبادرات قد تعكر صفو انفردهما بالمشهد السياسي صوت المجلس الأعلى للدولة في جلسته يوم الإثنين الثاني من يناير على إعادة التواصل مع مجلس النواب بعد انقطاعه لثلاثة أسابيع جراء إقرار مجلس النواب إنشاء محكمة دستورية في بنغازي ليتراجع عن القرار بعد ذلك.

إعادة التواصل بين المجلسين

إعادة التواصل بين مجلسي الدولة والنواب، قد تكون الحدث الأبرز في خضم هذه الأحداث، لتثبت لنا اشتراك المجلسين في المصير بوجود عقيلة والمشري على سدتيهما ما يجعل السلوك والمسار بينهما في حالة أقرب للتطابق، فقد أوضحت الأحداث التي مرت على العلاقة بين المجلسين أن رئيسيهما يجيدان التوافق على اللا توافق وهو الضامن الحقيقي لبقاء الرجلين والجسمين على حد سواء في المشهد السياسي.

يؤكد رفض المجلسين دعوة الرئاسي أن التواصل بينهما لم ينقطع حتى من ناحية استشعار المخاطر التي تهدد مسار عقيلة-المشري، وهو مسار يبدو أنه يحقق نتائجه، ليس أقلها استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، ما يسمح لعقيلة والمشري بجني المكاسب عبر تأكيد أهمية الجسمين في تجاوز الانقسام، إلا أن الحقيقة أن الجسمين ورئيسيهما هما من يفتعلانه كل مرة  لعدم المضي قدما نحو الانتخابات، ولكن مسار عقيلة المشري أحيانا يذر الرماد بذكر التفاصيل المتعلقة بالمناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية للإيهام بأهمية وجود الجسمين الجاثمين على السلطة التشريعية دون تشريع أو بممارسة الدور الرقابي والتورط بشكل كبير في الطموح للحكم وتقاسم كعكة السلطة.

توافق على اللاتوافق

تبدو الحالة السياسية في البلاد حكرا على الطبقة السياسية المتمثلة في المجالس الثلاثة الرئاسي والنواب والدولة، ويبقى المواطن أبعد ما يكون عن صناعة القرار، أي أن الحالة الشعبية وسخط الناس غير معتبر عند هذه الطبقة، فلا يزال تأثير الشارع يقل يوما بعد يوم لعوامل عدة أهمها الاقتصادي الذي قضى على الطبقة الوسطى، المفترض أن تكون ألصق الطبقات بالشأن العام واحتكاكا به.

لا تشعر الطبقة السياسية الليبية بأي داع للقلق من التملل الشعبي وسخط الناس ورغبتهم في التغيير، لعدم وجود ضعط شعبي يمارسه الشارع بل إن الحالة التي وصل لها أقرب ما تكون للا مبالاة وعدم الاكتراث نتيجة للإحباط العام الذي وصل إليه الشارع.

بناء على ذلك فإن تحركات رئيسي مجلسي الدولة والنواب والتي قد يراها القارئ تضرب بعرض الحائط رغبة مليونين ونصف المليون ناخب بسفور ووضوح،قد يستغرب، إلا أن نفسية السياسي الليبي تعول دائما على قصر الذاكرة الجمعية.

تتسم العلاقة بين عقيلة والمشري بمستوى معين من الجدية أي أنه رغم كل الأحداث الطارئة على العملية السياسية والحروب والنزالات السياسية والتحالفات المؤقتة، فإن العلاقة بين الرجلين بقيت على المستوى نفسه من الجدية وهي التواصل المستمر واللقاءات الماراثونية وطرح الملف تلو الآخر هروبا من الضغوطات المحلية الطفيفة كما يمكن اعتبارها إحراجا للضغوطات الدولية التي كانت في الشهر الماضي أكثر وضوحا في الدعوة إلى إيجاد مسارات بديلة لإقرار قاعدة دستورية بعيدا عن حوارات عقيلة صالح وخالد المشري، فقد ضمّنت ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا إيطاليا في بياناتها تعليقا على مرور سنة على فشل الرهان الانتخابي في الـ24 من ديسمبر من عام 2021.

فمن المتوقع أن يستأنف الحوار بين رئيسي المجلسين على توحيد السلطة التنفيذية، إلا أن التركيز سينصب على ملف الحكومة واختيار حكومة أخرى لتطغى عقلية الصفقات بين الرجلين فقد سبق وعرض عقيلة مبادرة تقضي بأن يكون رئسيا للمجلس الرئاسي كما سبق وتسرب رغبة المشري في ترشيح نفسه رئيسا للحكومة.

إلا أن تغيير الواقع الموجود على الأرض سيكون أمرا آخر خصوصا مع التململ الدولي وعدم وجود رافد حقيقي يستطيع تغيير المعادلة على الصعيد الخارجي، فالواقع الحالي يبدو مرضيا لكثير من الأطراف الدولية على رأسها الولايات المتحدة التي باتت تتسلم مَن تريد مِن السلطات الليبية بكل سلاسة، تليها تركيا التي تجد نفسها قادرة على التفاهم مع حكومة الوحدة والتي ستكون متحفظة على أي تغيير قد يهدد وجودها ومصالحها الاقتصادية بشكل أخص والتي تنحو المنحى الإستراتيجي هذه الأيام مع أعمال التنقيب في الحدود البحرية الليبية.

الخلاصة

وبهذا فإن دعوة المجلس الرئاسي لا تعدو أن تكون محاولة لتحريك المياه الراكدة وإثبات موقف الرئاسي على الأقل أمام الرأي العام في الوقت الذي ستستمر فيه ماراثونات اللقاءات والحوارات بين المشري وعقيلة، التي نستبعد أن تؤدي إلى تغيير ونتائج ملموسة على الأرض، إلا في حال استشعرا ضغوطات جادة قد تعصف بتحكمهما في مسار القوانين الانتخابية والقاعدة الدستورية كما أشارت بيانات الدول الأربع التي دعت إلى إيجاد مسارات بديلة لإقرار القاعدة الدستورية وإيجاد القاونين الانتخابية؛ وهو الدور الذي قد تتمكن البعثة من أن تلعبه في الأشهر القليلة الماضية في حال اتسمت هذه البيانات والضغوط بالقدر الكافي من الجدية والدعم الدولي.

اشترك في القائمة البريدية